** الجــــــــدة أم التلفـــــــــــــــــــــاز ؟؟ * بقـــــــــــــلم mon Pére

بسم الله الرحمن الحيم
وصلى الله وسلم على نبيه الكريم
إخواني الكرام في منتدى الشؤون :
حياكم الله .
قد يبدو العنوان غريبــا، وقد يتساءل أي قارئ عــن العلاقة بين الجــدة والتلفـــاز !
لكــن العجب سيــزول حتمــا بعد قــراءة متأنية للمقارنــة التالية:
فــي زماننا الطفولي ، أي في سبعينيــات القرن الماضــي وما قبلها، بعد يــوم حافل
بـدروس الحساب والمحادثة والإملاء والقراءة الجادة..وبعد لعب حـر مسرحه البلــدة
كلهــا بدروبها وأزقتها ،بـلا خوف مــن سيارات ولا لصوص أو مجرميــن ؛وبعد شدة
الإنهــاك نعـــود إلى منازلنا فنراجـــع بعـض الدروس ونــقرأ ماتيســــر مـن القــرءان .
ثــم نتناول وجبــة العشاء العائليــة .
في ليالــي الشتاء الــباردة، تتحلق العائلــة حــول النار متلهفة لسمـــاع ما تجود بــه
قريحـــة الجدة مـــن حكايات عجيبــــة.
تلك الحكايـــات التي تشد إليها الصغار والكبار، فنصيخ السمع وكــأن علـــى رؤوسنا
الطيــر. نتتبــع الجــدة بكل حواسنا وهــي تســرد قصـص العفاريت وملـــوك الجـــــان
وأبطــال الفتوحات والغزوات المشــهورة وعنترة بن شداد...وضــوء الشمعة الخـافـت
يضـــفي علـى المجلـس نوعـا مـن الرهبـة.
كانت الجـــدة موسوعــــة قصصية لا تنضب. حفظنا عنهــا ما شـــاء الله، وتــم تثبيته
في ذاكرتنا الصغيــرة عـن طريق إعادة الحكي بين الأصدقاء.
تطورت لدينا ملكة السرد والحفــظ، وتعودت آذاننا علــى حســن الأصغـــاء وعــلى
التركيــز قصــد التذكــر.
وعنــدما كبـــرنا قليـــلا
وامتلكنــا أداة القــراءة الذاتيــة صرنــا تستعيض عـن الجـدة بقصص عطيـة الأبرشـــي
فقـرأنا لأميرة الحسنــاء،الحــزام السحــري،الجنــدي المجهـــول،الكلب الوفـــــــــي...
ألــف ليلـة وليلـة،وقصـص جرجــي زيــدان والمنفلـوطــي وغيـرهــــم...
لــقد كان للجـــدة أثـر بليغ فــي تنميــة مهــارة البحث الذاتــي عـن بطل كنا نتوق لنصبح
مثلــه حين نكـبر. وددنا لو نكون ذاك البطل الذي ينقض على الحية ذات السبعة
رؤوس فيهشمها لينــقذ الأمـيرة الجميلـة؛ أوفارسـا يرد علـى تلـك البلــدة المظلومــــة
كـــيد الأعــداء وتربــص المتربصــــــــين.
كبرنـــاوماتت الجــدة، لكــن حب القراءة وملكــة الاستماع وعادة الحفـظ والتذكر، سكنت
شخصياتنا إلــــــــى اليوم.

فــي زمانهم هــــذا، يــخرج الأطفال مــن المدرسة هائجين كثيران أفلتت من ظلام دامس،
صارخيــن صاخبــين وخائفــين مذعورين. تتلقفهــم الشـوارع والطرقـــات،فيراوغـــون
السيــارات والعربات والمــارة،علـــى ظهورهم محافظ وحقائب قد ملئت كتبـا وزنها أثقـل
مـن محتواها. يلجـون بيوتا إسمنتيـة ضيقـة، ويقذفــون بمحمولاتهم متمنين لـو يتخلصــون
منهــا إلى الأبـد. ثم يستلقون أمام التلفاز، لتتسمر عيونهم الصغيرة على شاشة ملونة
مغرية تتدفق منها أفلام كارتونية من النوع الرخيص ،قـد استــوردت من اليابــان أومــن
أمريكا...مدبلــجة بلغة عربية متنافرة. عروض عنيـفة، أجسام غريبة لاتسايرخيال الطــفل
العربــــي. أسلحة ناريــة فتاكة مــــن مختلف الأشكــــال ...
عنـــف وعنــف وعنــف!!!!
والطـــفل جامـــد مسلــوب مــن كل الأحاســيس إلا مــن هـــذه النظـــرات الزائغـــة !
في الفصل، وأنت مدرس، يجلس أمامـك هؤلاء الأطفال تماما كما يجلسون أمام التلفاز!
أحداق باهتة خلفها أدمغة معبأة بكل أشكال المعارف الكارتونية المستوردة. فلا تدري
أيـراك هؤلاء المساكـين، وأنت تتحرك أمامهم، كركوزا أو رسما مـن تلك الرســوم !؟
أو أن الشريــــط التلفزيوني مازال متواصـلا في أمخاخهم الصغيرة!؟
إذن فلا حــيز فيها لأنواع مصادر الطاقة ولا للنعت والتميــيز ولا لــعدد أو معدود...!!!
فــما رأيــك عزيزي القارئ ،الجــدة أم التلــفاز؟
زمــاننا أم زمــانهــم؟
إخوانــــي في هذا المنتدى الغالــي، لا أورد هـــذه المقارنــة مسيئا الظــن بكـــــــل
مــــا في هــــذا الزمــــان ؛أو أن الماضـــــــــي سيحـــــل إشكاليــــة الحاضــــــــر!
لكنــــي عشت جزءا من الزمانين معا،ورأيت آلام الحاضرقد تفاقمت ،فاشـتد حنيني
إلــــــى هــــــــذا المـاضـــــــــــــــــــــــــــي الموشـــــــــــــــوم فـــــي ذاكرتـــــــي.
زمـــــــــن البساطـــــــــــــة والهــــــــــــــــــدوء واستقـــــــــــــلال الحــــــــــواس
d'aprés jamal adbib mon Pére

******** الجــــــــدة أم التلفـــــــــــــــــــــاز ؟؟ ******* بقـــــــــــــلم mon Pére

** الجــــــــدة أم التلفـــــــــــــــــــــاز ؟؟ * بقـــــــــــــلم mon Pére